"ما تأجل ... سجل" واستعد جنسيتك

شهوان   :  تمسكنا بكنسيتنا ومارونيتنا .. سبب  استمراريتنا

البستاني : إستعادة الجنسية ليس للهيمنة على الطائفة الاسلامية
pdf


تحقيق كاتيا شمعون
 الاحد 20 - 2 -2011

" السيد الصغير " الذي اعتزل على قمة جبل في القورشية شمالي غربي سوريا وكرّس على قمة هذا الجبل، معبدًا وثنيًا مهجورًا،وعاش تحت السماء من دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظل بها إلا نادرًا،انتشر صيته،وما زال حتى بعد الف وست مائة سنة. 

القديس مارون "أب" الطائفة المارونية التي انتشرت في العالم على الرغم من الصراعات والاضطهادات، والخلافات العقائدية والسياسية ، والذي يُقام له الاربعاءالمقبل إحتفال لرفع الستار عن تمثال له في الفاتيكان لمناسبة إختتام يوبيل 1600 سنة.

ولكن هذا التكريم وذاك الانتشار الواسع في دول الاغتراب لا يبعدان هواجس اللبناني المسيحي الماروني عن ماذا بعد، الى أين، ما هو مستقبلنا، الهجرة أمر سهل ولكنّ البقاء أمر تزداد صعوبته يوماً بعد يوم.."الوردة بين الاشواك" كما وصفها أحبار روما تمر اليوم أيضاً بمحنة وشبابها يسأل لماذا علينا الصمود في هذا البلد؟؟

ولكن قبل الحديث عن المستقبل مع "المؤسسة المارونية للإنتشار"، هل كان الماضي الماروني مشرقا فعلا كما يحكى؟

وماهي التحديات التي واجهته؟

عن هذا الموضوع يقول المؤرخ الآن شهوان في مقابلة مع الوكالة الوطنية للإعلام  أنه" في كل الحقبات التاريخية ومنذ تاسيسها عانت الطائفة المارونية من الاضطهاد ولكن تمسكها بمعتقداتها جعلها تستمر وتزدهر حتى ولو كانت معزولة، وحافظت على ديانتها وتجذّرت فيها وهذا ما جعلها تستمر على الرغم من كل الصعوبات التي مرت عليها، وهذا الازدهار كان السبب أيضاً في الاضطهادات التي تعرّضت لها.."

ويضيف"بينما على الصعيد السياسي الأمر مختلف، إذ كانت الاوضاع تتبدل من فترة انحطاط الى فترة ازدهار وذلك نسبة للحقبات وللوضع السياسي العام وللحاكم وللتحالفات، فمثلاً خلال حقبة حكم الامير فخر الدين المعني الاول كنا في فترة انحطاط اذ لم يكن من المسموح بناء الكنائس أودق الأجراس، بينما مع فخر الدين المعني الثاني كان الموارنة في فترة ازدهار ديني وسياسي وذلك لأن فخر الدين المعني الثاني أرسى العلاقات الجيدة معهم بهدف إستثمارهم لفتح قنوات مع الغرب المسيحي..ومع تسلم آل علم الدين للحكم تراجعت اسهم الموارنة السياسية وعاشوا فترة انحطاط سياسي إنّما دينياً ظلوا مزدهرين..إن تمسكنا بديانتا وبكنسيتنا ومارونيتنا وجذورنا وليس في قوتنا أو السياسة، هم السبب في استمرارنا منذ 1600 سنة وحتى اليوم".

ويطرح شهوان نظريته الجديدة ويقول:" كي نعرف كيف نبني وطناً مزدهراً علينا ألا نبقى في الغيوم ونقول إن أسلافنا عاشوا بمجد وفي النعيم وإنهم كانوا عصاة في الجبل وعاشوا باستقلالية وإرادة حرة وكيان مستقل عن المماليك أو السلطنة العثمانية وغيرهم..هذا أمر خاطئ اذ على العكس لقد عاش أجدادنا الموارنة في الجبال القاحلة التي لم يشأ ان يعيش فيها الغزاة نظراً لفقر الموارد الاقتصادية في هذه المناطق، وذلك هرباً من السلطة التي أجبرتهم على دفع الضرائب وتعاطت معهم على أنهم فئة ثانية في المجتمع  وفرضت عليهم شروطاً قاسية ومذلّة للعيش ... واين كان الشعب الماروني، وأين هو اليوم؟ الكل يريد مصلحته الشخصية، وهذه صفحات سوداء من تاريخنا. كفانا ان نمجد تاريخنا وحاضرنا ونحن في فترة انحطاط. اكيد كانت هناك صفحات بيضاء في تاريخنا إلا أنها غير مدونة لأنه معلوم انه حين تقع المشاكل تصبح هناك مراسلات واتفاقيات وحينها يبدأ التدوين .."

ويرى شهوان  " أن الكنيسة المارونية هي الكنيسة الوحيدة من بين كل الطوائف المسيحية التي بنيت على شخص وما زالت مستمرة رغم كل الصعاب السياسية. وعلينا التشبث بهذا الوطن وبناء أرضية جيدة لأبنائه ومن ثم لكل من هاجر منهم قبل أن نطلب منهم العودة، وعلينا الدفاع عن هويتنا وديننا والكف عن تمجيد الماضي والتاريخ".

ويضيف "لطالما كان للموارنة مطالب عبر التاريخ من تغيير للانظمة والتوسع الجغرافي ..ولكن هذه المطالب لم تكن لتلبى الا حين يكون هناك تلاقي مصالح للدول الكبرى على ارضنا..النظرية التاريخية تقول أن الموارنة كانوا عصاة، لهم كيانهم المستقل ولم يستطع أحد الاقتراب منهم، في الواقع أنه لطالما كان الموارنة مسيطر عليهم ولم يستطيعوا يوما أن يعيشوا ضمن كيان مستقل بهم."


المؤسسة المارونية للإنتشار
 

انطلاقا من ان كل الحقبات التي مرّت على مسيحي لبنان كانت صعبة وغير مستقرة يفهم لماذا سعوا وما زالوا يسعون ويفتشون عن الفرص الجديدة بعيدا عن أرضهم .  

 مما لا شك فيه ان الطائفة المارونية ستبقى متجذرة في التاريخ كما كانت منذ 1600  عام ، ولكن هجرة الموارنة وغيرهم من ابناء الطوائف المسيحية بدأت  تشكل تهديدا مباشرا لكيانية لبنان ولها تداعياتها على الجغرافيا السياسية والديمغرافيا،ليس فقط على لبنان إنما على دول المنطقة.

 لذلك كان لا بد من " اول صرخة ،أماني، سمع صداها بلبنان، تتسجل ابنك لبناني بأرض جدودو..كل حقوقو تبقى منصانة، الجنسية ، الملكية، والعمل كمان..ما تأجل سجل لبناني، بأرض بلادو اخلقلو ايمان..بجذورو أحفظلو مكان..خليك لبناني ما تأجل سجل.."

 وهي دعوة وجهتها "المؤسسة المارونية للإنتشار"  الى كل مغترب لبناني مسيحي وماروني لكي يتسجل و يستعيد الجنسية اللبنانية.  و تقول المديرة الإدارية للمؤسسة المارونية للإنتشار السيدة هيام بستاني:" إنها فكرة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والوزير ميشال اده، اذ رأوا انه في ظل تدهور الوجود  المسيحي في لبنان الذي حسب الاحصاءات الحديثة بلغ 34,96%  ومن أصلهم 19% موارنة  بعد أن كان يمثّل 74% ،كان يجب أن نتحرك ، ونحن في المؤسسة المارونية للإنتشار ارتأينا الاهتمام بهذا الموضوع ومتابعته ".

وتوضح بستاني للوكالة الوطنية للاعلام أن "المؤسسة المارونية للانتشار" تعنى بنشر الفكر المسيحي الماروني في العالم، وتهدف الى ربط المغترب الماروني والمسيحي خاصة بوطنه وكنيسته. أسسها الوزير السابق ميشال اده بمرسوم صادر عن بكركي رقمه 618/2006، وتعمل حالياً على فتح مكاتب وتوظيف العاملين فيها في كل دول التي فيها انتشار مسيحي. وهذه المكاتب تعمل بالتنسيق مع كل الكنائس من الطوائف المسيحية المختلفة،الارثوذكسية والسريانية والكاثوليكية والارمنية والبروتستانتية ..من أجل الاتصال باللبنانيين واطلاعهم على المستندات المطلوبة لتسجيل زواجهم وأولادهم وبالتالي استعادة جنسيتهم ،وكل هذه المعاملات سوف تتم وتسجل مجانا".

يعني ان الاشخاص الذين يسافرون او يهاجرون الى الخارج لم يقوموا بتسجيل زواجهم ومن ثم اولادهم. والمؤسف في الموضوع ان نسبة 75% من المسجلين في وتضيف :" لأننا اكتشفنا من خلال الاحصاءات والمعلومات التي جمعناها أن سبب التدهور في الارقام يعود الى ان عدداً كبيرا من الافراد لم تتحرك سجلاتهم  منذ 30 او 40 سنة، ماسجل الاحوال الشخصية هم من الذكور المسيحيين الذين هم غير متزوجين ،وهذا امر مستحيل ان تبلغ هذه النسبة، منطقيا يمكن ان تكون النسبة ما بين 20 او 25 %.وهذا الامر يعني ان هؤلاء الشباب تزوجوا في الخارج ولم يسجلوا زواجهم في لبنان.

وتشدد السيدة بستاني على اهمية التعاون مع وزارة الخارجية والمغتربين الذي أثمر عن التعميم الذي أصدرته الوزارة وأعفت بموجبه من الرسوم الادارية عن معاملات الزواج والولادة ،وقالت :"ان اللبناني الذي يريد ان يسجل زواجه واولاده لا يتوجب عليه دفع اي مصاريف لقاء المعاملات الادارية، اذ استطعنا نحن كمؤسسة وبالتعاون مع وزارة الخارجية التي اصدرت تعميماً أعفت بموجبه من الرسوم المتوجبة على معاملات الزواج والولادة . اذ ان الكلفة كانت 16$ لفتح ملف و23$ لتصديق المعاملة ،ولكن من لديه عائلة كبيرة او عليه ان يعود الى ثلاثة او اربعة أجيال ليسجل زواجه واولاده سوف يترتب عليه مبالغة طائلة ولذلك عمد معظم اللبنانيين الى عدم التسجيل والاكتفاء بجواز السفر الاجنبي.".. 

وبالرغم من تفاؤلها بمشروع إستعادة الجنسية،إلا أن السيدة بستاني لا تنكر وجود صعوبات كثيرة، رغم أن" لا شيء مستحيل "،فتقول :"الاكيد ان الامور ليست كلها سهلة وهي ايضا ليست بمتناولنا كلنا،لانه علينا ان ندخل عبر وزارتي الخارجية والداخلية، اي ان المعاملات يجب ان تمر عبر محطتين في الدولة ،هناك أقسام كبيرة متعاونة معنا ،ولكن قلة عدد  الموظفين في هذه الاقسام يؤخر القيام بالاجراءات اللازمة وبالسرعة المطلوبة.. نحن نتابع بإهتمام المعاملات المرسلة من الخارج ، ولكن علينا ألّا ننسى المسار القانوني الذي يجب اتباعه، فتسجيل معاملة زواج مثلاً تستغرق من 3 الى 6 أشهر إذا كانت الاوراق المطلوبة صحيحة..

وتنفي بستاني أن يكون لموضوع استعادة الجنسية أي علاقة بمساعدة وزارة الخارجية  في التحضير للانتخابات المقبلة في 2013 ،وتقول :" إن المؤسسة غير  معنية أبداً بهذا الموضوع، ولكن هذه الحملة طبعاً سوف تساعد، ولكن لم يكن هذا الأمر أحد همومنا ،ونحن بدأنا العمل على هذا المشروع منذ سنتين ونصف أي قبل أن يُقرّ هذا القانون ".

وعن التنسيق مع البطريركية المارونية، أكّدت  على أننا " نعمل بشكل مستقل مادياً وادارياً وهيكلياً، ولكن روحياً نعمل في لبنان وفي مكاتبنا في الخارج من خلال روحية البطريركية المارونية وتحت مظلتها ، ومكاتبنا في الخارج تعمل تحت مظلة المطران المسؤول عن الأبرشية. الكنيسة هي طبعاً معنية  لأن كل العمل الذي نقوم به هو من خلال الابرشيات والمطارنة في بلاد الانتشار الذين  اصبحوا مهتمين بشكل كبير بمشروع تسجيل المغتربين وتبنوا هذا الموضوع، وكلهم يعرفون ان هذا العمل مهم جداً وقضية كبيرة جداً للبنان وللكنيسة وللوضع المسيحي بشكل عام.

وشددت على "أننا نقوم بهذا العمل ليس من أجل ان نعود ونصبح أكثرية ونهيمن على الطائفة الاسلامية الكريمة إنما من أجل العيش المشترك، وتصحيح الخلل وإعادة التوازن . نحن لا نعمل من منطلق سياسي ، وليس هناك من سياسيين ضمن اعضاء المؤسسة علماً أن الوزير السابق ميشال اده هو رئيسها لكن فكره مستقل ولبناني ولا ينتمي الى أي جهة سياسية، وقد وضع نفسه في تصرف الكنيسة والمؤسسة والقضية، وهو يعنى ويتبنى بكل ما يهم الكنسية.

وتوضح بستاني " نحن مستقلون ماديا ًعن البطريركية،لأن التمويل هو من الوزير إده ومجموعة من الاشخاص الذين تبنوا مشروع تسجيل المغتربين واستعادة الجنسية وهؤلاء آمنوا بهذه الفكرة، كي يستطيع لبنان ان يستعيد توازنه ولذلك كان لا بد من فتح المكاتب واستخدام الموظفين الى ما هنالك من مصاريف. ويقوم كل عضو من المؤسسة والتي يبلغ عدد المنتسبين اليها حوالي الستين شخصيةً مارونية من مختلف القطاعات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ، بدفع مبلغ من المال سنويا مع التزام بالاستمرارية لفترة ثلاث سنوات من أجل ضمان نجاح المشروع ".

وبفخر تقول بستاني "انها المرة الاولى التي نعطي فيها المغترب شيئأ ولا نطلب منه أن يعطي بالمقابل. كل ما نطلبه هو أن يحضر ليسجل نفسه وعائلته. نحن نقول له لا نريد أموالك نريد ان تسجل اسمك في لبنان".

"للمؤسسة المارونية للإنتشار" مشاريع مستقبلية عدة والكثير من الافكار المطروحة، وتسعى حالياً الى فتح مكاتب في اكبر عدد من دول الانتشار بعد فرنسا وبلجيكا والسويد والبرازيل ،اوستراليا و كندا ،ومكاتب اميركا التسعة في ولايات: بوسطن، واشنطن، نيويورك، ديترويت، ميامي، لوس انجلوس، ميشيغن، تكساس، وفلوريدا، حيث جرى اعتماد المكننة لتلقي واستلام المعاملات،مما يسهل على الراغبين عملية تسجيل معاملاتهم.وتثني البستاني على المساعدة التي تلقتها المؤسسة من بعض الشباب اللبناني اذ"قام عدد من طلاّب مدرسة الجمهور في نيويورك بالبحث عبر الانترنت لإيجاد المغتربين من أصل لبناني ، قد تُعمّم هذه الفكرة على خريجي المدارس والجامعات في أنحاء العالم. كذلك قام تلامذة مدرسة "سان جوزف" في انطلياس بجولة ميدانية للحصول على بعض المعلومات من الأهالي عن المغتربين، سوف تستكمل في مدارس لبنانية أخرى. ما يهمّنا هو إعادة أكبر عدد ممكن من المسيحيين الى لبنان، لهذا فنحن في كلّ يوم نبتكر فكرة جديدة وننفّذها."

 وتؤكد البستاني  أن" لا احد يملك الارقام الصحيحة عن أعداد المغتربين ،ونحن نسعى الى ان تصل رسالتنا الى اكبر عدد ممكن منهم من خلال الإتصال المباشر معهم أو من خلال الفيديو كليب (والاغنية) الذي بث منذ فترة في لبنان عن موضوع استعادة الجنسية والذي كان مؤثراً ومعبّراً  جداً ولاقى تجاوباً كبيراً وقد تمت ترجمته الى اللغة الاسبانية والبرتغالية والفرنسية والانكليزية ويجري عرضه بشكل مستمر على المحطات الفضائية في اميركا واوستراليا وكندا، وكذلك جرى بثه بصورة مجانية على قنوات التلفزيون المحلية. كذلك نسعى الى إيصال رسالتنا من خلال الاقارب الموجودين في لبنان، وقد وزعنا على كهنة الرعايا إستمارات بهذا الخصوص"..

وتضيف: "لا شيء مستحيل..ومنذ بدء المشروع وحتى اليوم لدينا حوالي 35 الف اسم ،منهم حوالي 10% من غير المسيحيين تم تسجيلهم لاستعادة الجنسية. ولكن الشغور في المناصب في البعثات اللبنانية والنقص في عدد الموظفين  والجمود السياسي في لبنان يشل حركتنا.. فمثلاً تقدّمنا بمشروع قانون يهم بشكل خاص المغتربين في البرازيل، من اجل تسهيل المستندات المطلوبة من اجل استعادة الجنسية للمتحدرين من اصل لبناني وذلك بعد ان قمنا بدراسة حاجات اللبنانيين المقيمين في الخارج والفترة الزمنية التي يمكن ان يعودوا اليها في المستندات اللازمة ،اذ انه في بعض الاحيان عليهم ان يعودوا في الزمان الى ثلاثة أو اربعة اجيال، وقد فهمنا المشكلة في البرازيل والمكسيك والارجنتين حيث الهجرة قديمة وتعود الى اربعة اجيال، وقد تم  التصديق عليه  في لجنة الادارة والعدل بعد جلسات عدة. ولكنه ما لبث أن توقف، واليوم طلب منا، نظراً للأوضاع السياسية في البلاد، ان نعود ونتقدم بهذا المشروع بصيغة اقتراح قانون وليس مشروع قانون، من خلال مجلس الوزراء."

وتختم المديرة الإدارية للمؤسسة المارونية للإنتشار السيدة هيام بستاني:"إنّ هدفنا هو أولاً ربط اللبناني ببلده ،وثانياً المسيحي ببلده وكنيسته، وثالثاً الماروني بكنيسته."   


http://www.projectroots.net